05 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

إليك بُني.. "32" بماذا تنصحني؟

   وقد تسألني في وقت ما، بماذا تنصحني يا أبي؟، أجيبك بكل ثقة، وأمل أرجوه لك: أنصحك بالقراءة. وقد تُعيد السؤال بصيغة أخرى، لها رائحة التنقيب، ولماذا القراءة تحديدًا؟!، فأجيبك: عندما تُصبح القراءة الجزء الذي لا يندثر من حياتك، فإنك لن تستفيد فقط المعرفة، ولكن ستجد أن فوائدها مُتنوعة. وسأفضي بما أراه وألمسه فيها، كتجربة مُتواضعة، واضعًا بين يديك بعض الكلمات التي كُتبت عنها، من أناس عرفوا قيمتها، فهاموا شغفًا، واستظلوا بظلها، وجنوا من ثمارها اليانعة.

 في القراءة تنبع الثقافة والوعي، والإدراك فيما تعنيه الحياة، حيث إنها تُزودك بالمعرفة، وكلما ازددت تعلقًا بها، ستنمو ثقافتك يومًا بعد يوم. لن تشعر بالوحدة، حتى لو كنت وحيدًا، كجسد؛ لأنك بين أحضان كتابك. الذين يقرأون، هم في الحقيقة فراغهم مملوء، وفي شُرفة وحدتهم أناس كثر.

 بُني..

 إن القراءة، كالبلسم إلى الإنسان، من خلالها تُبحر به إلى حيث الأمل، تُؤنسه في وحدتك، تُداوي قلقه، تُشعل شمعة في طريقه، يستنير بها، يقول سيمون دو بوفوار: أنقذني الكتاب دائمًا من اليأس، وأثبت لي ذلك أن القراءة القيمة الأسمى على الإطلاق. 

 في البداية، اجعل من القراءة حُبًا، أحبها بقدر ما تستطيع، وتمرّن عليها، ويومًا بعد يوم، ستجد نفسك قد بلغت منها مبلغًا لا تستطيع الاستغناء عنها. انظر إلى المران، كتقنية، تحتاجها في الكثير من الأمور، والقراءة منها، كما أن الرياضي، يُمارس المران على المهارات؛ ليتقنها، كذلك القراءة، تحتاج أن تُمارسها، وتُمرن نفسك عليها. القراءة، ليست حُروفًا، صيغت في كلمات، ولكنها بمثابة الحياة في واقعيتنا، وفي تطلعاتنا، وخيالاتنا، انكساراتنا، هي التجارب التي خضناها نحن، والتي لم نخضها. يقول بليز سندرار: عندما أكتب لا أغمس ريشتي بالمحبرة بل في صميم الحياة.

    هُناك طرق بُني..

 من خلالها، تزيد فاعلية الجاذبية لديك، وتجعلك تشتاق الكتاب، وهو ما يُعنى بالجانب البصري. وهذا يشعر به الإنسان الذي يعيشه، وهو رؤية الكتاب. ضع في الأماكن التي تجلس فيها كتابًا، ولو كان صغير الحجم، اجعل عينيك، تعتاد النظر إلى الكتاب، فستجده ذات لحظة ما، كجرس التنبيه، يدعوك إلى دخول بُستانه. لا تجعل من القراءة صندوقًا، يهتم بالكم لا الكيفية، تأتي الفائدة فيما تستوعبه، ما تُدركه فهمًا؛ لهذا اهتم بالتركيز على المفردات التي تقرؤها، أعد القراءة كي تتمكن من ذاتك وعقلك، وتعمل فعلها على رُوحك وقلبك. يقول هاروكي موراكامي: لا أندفع في القراءة كأنني في سباق، بل أعيد قراءة الأجزاء التي أعتقد أنها الأهم حتى أفهم مغزاها. 

 يُخطئ من يصف الإنسان القارئ بالانعزال، هو ينحني في وصفه إلى الجانب الظاهري، يراه جالسًا بمفرده على الأريكة، وبين يديه كتابه، يراه جالسًا بمفرده على مكتبه، وفي يديه كتابه..؛ لهذا يظنه وحيدًا، حيث لم يتعدى نظره مسافة عينيه. هذه النظرة غير مُوفقة، لم تُدرك حقيقة القراءة، ولم تُدرك حقيقة الكتاب. يقول بيوتر كوالزيك: الكتاب ليس هُروبا من الحياة بل طريق مُختصر لحياة أفضل.


error: المحتوي محمي